● [سوء البطانة ومن ابتلي بها من أهل الصدق والأمانة] ●
فكما لا يخفاكُم أن الأصل في العالم أن له بطانتان كما نص حديث رسول الله ﷺ:[ما بعث الله من نبيٍّ ولا استخلف من خليفة إلا كانت لهُ بطانتان، بطانةً تأمره بالمعروف وتحضهُ عليهِ وبطانة تأمره بالشرِّ وتحضهُ عليه فالمعصوم من عصم الله تعالىٰ]
وإن العالم لا يوحىٰ إليه ليعرف أحوال من حولهُ، فيخفىٰ عليه ما يخفىٰ على غيره، فهو لا يخرج عن بشريتهِ و لا يصل إلىٰ مقام النبوة بالوحي إليه، ومثل العالم، الخليفة، و الحاكم، و الوالي، والقاضي.
وأمر بطانة العالم لا يكاد يخفىٰ عن الجميع، فهناك من هم من أهل الصلاح؛ وهناك من هم من أهل الزيغ والعناد.
وإن العالم يرىٰ أن من حولهُ فيما يظهر له أن كلهم أهل صدق وصلاح ومؤيدين، وقد يظهر عليه أمر بعضهم فيطرده ويبعده ويقصيه، بعد أن يعرف عنه كيت وكيت، وهذا حدث مع مشايخنا.
ولعلك تبصر أشخاصًا مقربين من العالم بل ويعتمد عليهم في البحوث العلمية واستخراج أخطاء المخالفين وتخريج الأحاديث والتسجيل والتدوين والكتابة فلا يكاد الشيخ يستغني عنهم ثم بعد فترة لا تراهم فتسأل عنهم فيُقال أن الشيخ عرف عنه هذا وشهد عليه ثقات فطرده واقصاه، وهذا قد حصل مرارًا وتكرارًا وهو اجتهاد من الشيخ قد يكون أصاب وقد يكون أخطأ ولكن ما بنىٰ طرده إلّٙا علىٰ شي يقين عنده، أو لمصلحة رآها هو.
والحكم علىٰ البطانة لا يؤخذ من نفس العالم، فالعالم الّٙذي تلازمهُ هذه البطانة السيئة يرآهم ثقات ولا يقبل الطعن فيهم، ولا التنقص من قدرهم، و لا يرآهم سيئين، وهذا ما حصل الآن مع المشايخ الكبار الأجلاء وغيرهم.
فالعالم يرىٰ البطانة كأبنائه، منهم الصالح ومنهم الطالح، ومنهم من يمد يد العون لوالده، ومنهم من يشقيه، ومن رحمة الوالد أنه لا يقبل حتّٙىٰ أن تشاكهم الشوكة وإن كانوا طالحين.
وقد حصل هذا مع علماء أفذاذ قديما، وأئمة السلف كابن خزيمة فقد كانت بطانتهُ بين القدري والمعتزلي
وأيضا كقيس بن الربيع الأسدي فقد كان لهُ ابنٌ يدخل عليه في حديثه ما ليس من حديثه.
وكسفيان بن وكيع الجراح فقد كان له وراق يدخل في كتبه المناكير حتّٙىٰ نصحه أبو حاتم وابن خزيمة ولم يأخذ بنصحهما.
وكعبد الله بن صالح أبو صالح فقد كان له جار سوء يضع الحديث.
وكذلك ما وقع لابن اللّٙتي فقد كان له أخ يزور له إجازات من ابن ناصر وغيره.
وكذلك في عصرنا الشيخ ابن باز فقد كان حوله من يقبل قوله ويبني عليه الحكم والجرح والتعديل وهو عليه ملاحظات كمن يسعىٰ جاهدًا لتغيير رأي الشيخ -رحمهُ الله- في علماء أو جماعات وهو ما حصل مع الشيخ فقد ظفر بعض المخالفين بتزكية منه و تعديل وهو من أهل الانحراف.
وكذلك الشيخ العبّٙاد وهو محدث الجزيرة فعنده ما عنده ممن يعتمد قوله وهو عليه ملاحظات وقد أُلف في الرد عليه مجلدات.
فعلماء الحديث درسوا أحوال هؤلاء الأئمة وحكموا عليهم بأنّٙهم ليسوا بمجروحين وإنما الجرح في بطانتهم ممن انتهج نهج الزائغين.
فالحكم علىٰ بطانة هؤلاء الأئمة كان من غيرهم من العلماء مع حفظهم لمكانة هؤلاء العلماء الأفذاذ ففرقٌ واسع وبونُُ شاسع بين البطانة الصالحة الّٙذي رزق الله بها أحمد بن حنبل وسفيان الثوري وابن عيينة والبطانة السيئة ومنها المذكورين آنفًا.
وقد حكم بعض علمائنا مؤخرًا علىٰ بعض الأشخاص هم علىٰ قرب بالعلماء كالشيخين ربيع وعبيد بالدليل، رغم ذلك بعض علمائنا لم يقبلوا هذا في تلك البطانة، ولكن تكلمُوا فيهم بالأدلة والبراهين، والصدق المبين، يُدمغ به باطل أهل الزيغ والمجرمين، وحفظوا كرامة الصادقين، من العلماء السلفيين، فكانُوا موفقين، بإذن ربِّ العالمين، والحمدُ للهِ رب العالمين.
كتبهُ/
أبُو عبد الرّٙحمن
نٙاصِر بن أحمد زٙكِري
-أعانهُ الله-
في ٢٤/ربيع الأول/١٤٤٠ه